الصفحة الرئيسية > عربي > مؤلفاته

 إما الاشتراكية أو زوال الجنس البشري

Publié le 3 septembre 2008

إرنست ماندل

إرنست ماندل

يتحدثون في واشنطن والحواضر الإمبريالية الأخرى عن نظام عالمي جديد. في الواقع، إن ما يقوم الآن إنما هو فوضى عالمية جديدة، في شتى أصقاع العالم، ليس ثمة رقابة على المستوى العالمي، والولايات المتحدة بالذات، التي باتت المايسترو الوحيد، تقريبا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لا تفرض رقابتها، مع ذلك، على العالم,لا حتى على بلدي ، وغياب الرقابة و الإشراف هذا، ليس واضحا بالضرورة، ولا إيجابيا، والوضع إجمالا قد يفضي إلى الكارثة، والى انتكاسات تاريخية. إن ذلك ممكن هذه الفترة.

بيد أني متفائل ، مع ذلك، إلى حدود بعيدة- و إن يكن تفاؤلي مشروطا كما سأوضح لاحقا-، في أن الاشتراكية لابد ستأتي، لكن بعد 20 او 30 او 40 عاما حيث انتصارها، على المدى القريب، لم يعد مضمونا، إنها ستأتي ، أقول لأن الخيار لم يعد حتى بين الاشتراكية و الهمجية، كما كان الأمر في النصف الأول من هذا القرن. بل بات الآن بين الاشتراكية أو استئصال الجنس البشري، إذا نظرتم إلى الكوارث التي تلوح في الافق، وهي كوارث ربما أمكن تأجيلها لأربعين أو خمسين من الأعوام، لكن لا يمكن استبعادها بالكامل. والضمانة الوحيدة لمنعها هو انتصار حقيقي تحققه قضية الاشتراكية على الصعيد العالمي.

الكوارث المحدقة

ثمة في الواقع، كوارث عديدة محدقة، أولها هو التهديد النووي. وهو تهديد موجود بالفعل، ويبقى حتى إذا جرت إزالة الأسلحة النووية، طالما سوف تبقى الأسلحة التقليدية، فالحروب ، حتى بهذه الأسلحة، في عالم توجد فيه محطات للطاقة النووية ، يمكن أن تؤدي إلى 10-20-50 انفجارا على شاكلة انفجار تشرنوبيل في جمهورية أوكرانيا السوفييتية عام 1986.

ثم هناك التهديد الثاني، الذي يمثله الجوع والأمراض، في العالم الثالث، وهو يأخذ أحجاما كبرى يوما بعد يوم. ناهيكم عن أوبئة خطيرة ومخيفة، تتجه نحو الانتشار بلا رادع أو حواجز حقيقة، وهي لا تتوقف، في الواقع، عند حدود الشمال و الجنوب.

أما التهديد الثالث، فهو التهديد البيئي، لقد باث الناس أكثر وعيا، بلا ريب، لهذا التهديد، لكن ليس بصورة كافية. لذا هاكم ثقب الأوزون يتوسع بصورة مريعة، بالإضافة إلى تأثير ما يسمونه بالدفينة. إن نسبة عشرين بالمئة من مساحة الأرض انتبهوا جيدا، سوف تصبح غير قابلة للحياة فيها في العشرين أو الثلاثين سنة القادمة مع عواقب لا يمكن حسابها على جو الأرض.

وثمة، فضلا عن كل ذلك، التهديد المتمثل بانحتات الحريات الديمقراطية، والحقوق المكتسبة، على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وصعود الإيديولوجيات غير العقلانية، ومنها العنصرية، وكره الأجانب، والفاشية، وما شابه ذلك من التعبيرات الرجعية المتطرفة. وما يحصل داخل المؤسسات السلطوية أكثر سوءا، لأن أثاره أعظم اتساعا. وهاكم هذا المثل الصغير، لكن المعبر :

لقد كان بعض اليهود السوفييتيين، الذين هاجروا إلى إسرائيل، قد ذهبوا في الأصل إلى هولندا وألمانيا الغربية، بوجه خاص، مع رغبة حقيقية في متابعة رحلتهم إلى الولايات المتحدة بالذات. ولكن الحكومة الهولندية، وهي اشتراكية-ديمقراطية، سفرتهم عنوة إلى إسرائيل، حيث لم يكونوا يرغبون في الاستقرار. ولو كان هناك رد كاف على هكذا إجراآت، لما أمكن حدوث ذلك. ولكن بعد أوشويتز، بزمن طويل، هذا هو ما يحدث الآن، وهذا نوع العالم الذي نحن فيه.

الأزمة في الغرب

في غضون عشرين عاما، يمر الغرب في فترة ثالثة من فرط الإنتاج، في سياق موجة جمود طويلة الأمد، لا تبدو هناك علامات تشير إلى إمكان توقفها. هناك أربعون مليون عاطل عن العمل في البلدان الرأسمالية الغنية. وهذه الأزمة تنمو وتتفاقم وسوف يصبح عدد العاطلين عن العمل قريبا خمسين مليونا. ناهيكم عن توجيه ضربات قاسية لحقوق الطبقة العاملة، التي سبق أن اكتسبتها بنضالات طويلة، وتفويض ما يسمى دولة الرفاه، ولا سيما على الصعيد القسم الأشد فقرا وبؤسا، بين السكان، المتقاعدون، والمرضى، والعاطلون عن العمل، والأمهات غير المتزوجات، والمهاجرون،الخ... .

وفي الوقت ذاته تزداد المنافسة بين الإمبرياليات،وتندلع « حروب » تجارية كاملة، ويبدو نقص عظيم أو حتى غياب في رقابة الدولة، والمنظمات العالمية، وهو واقع لم يوجد بتاتا من قبل في تاريخ الرأسمالية. إن عجز الدولة البرجوازية مثير للرثاء.

فخلال الأزمة الكبرى الجارية، جرى كشف واقع أن كامل المقدار من المال الذي تتعامل به الرأسمالية كل يوم يصل، في أسواق التداول العالمية، إلى ثلاثة آلاف مليار دولار ‍‍‍‍‌ !!، أي أكثر بكثير من حصيلة التجارة العالمية، في عام بكامله ، واكثر بكثير من كامل مخزون المصارف العام بأسره. والأهم من ذلك، أنه لا أحد يراقب هذه المضاربة. هي خارج المراقبة !

في الجنوب

أما في الجنوب فأكثر من 800 مليون إنسان يعانون من الجوع والبؤس، إن نسبة الحراريات التي يحصل عليها 50% من الناس في البلدان الأشد فقرا تساوي ما كان يحصل عليه المعتقلون في المعسكرات النازية. وهذا يشمل مئات الملايين من الناس.

16 مليون طفل يموتون كل عام من الجوع، أومن أمراض قابلة للشفاء. أي إذا نظرنا إلى الحصيلة في ست سنوات، أكثر بكثير من قتلى الحرب العالمية الثانية. بمعنى آخر، هنالك كل سنوات أربع حرب عالمية ضد الأطفال. هذا هو واقع اليوم. وليست هذه ظاهرة اجتماعية –اقتصادية فقط، إنها ظاهرة ذات نتائج بيولوجية.

ففي البرازيل أدى نقص الفيتامين، في طعام الأشد فقرا بين السكان، إلى ظهور شريحة جديدة من الأقزام البشريين، الذين ينقص طولهم 30 الى 35 سنتيمترا عن معدل طول الناس في ذلك البلد. وتسمي الطبقة السائدة وعملاؤها هؤلاء البائسين « جردانا بشرية »، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من توحيش إيديولوجي شبيه بذلك الخاص بالنازيين.

كما أن الصومال ترينا الآن بدء كارثة بيولوجية لا يمكن أن يعرف مداها، في الوقت الراهن بالذات، وثمة أمثلة أخرى عديدة لا تقل مأساوية، وإساءة حتى إلى أبسط متطلبات الكرامة الإنسانية.

الأزمة في الشرق

هذا ومع الإعادة التدريجية للرأسمالية في أوربا الشرقية وجمهوريات ما كان يدعى الاتحاد السوفييتي، يزحف التقهقر الاجتماعي ليضرب ضارباته هنا أيضا. فالتمليك الخاص للمنشآت الكبرى في تلك الجمهوريات قد يدفع 35 إلى 40 مليونا من الناس إلى أشداق البطالة، ناهيكم عن انهيار ذريع في مداخيل الشغيلة الفعلية، ومستوى معيشتهم. وتتلازم مع ذلك تهديدات حقيقية للحريات.

لقد كنا نعتقد أن سقوط الديكتاتورية الستالينية سوف يقود على الأرجح إلى الثورة السياسية، بما هي ثورة تعيد السلطة الفعلية إلى المنتجين بالذات، في ظل أوسع أشكال الديمقراطية العالمية، مع ما يعنيه ذلك من تقدم حثيث في معارج السير نحو الاشتراكية، إلا أن ما حصل، على الأقل مؤقتا، إنما هو تلازم ذلك السقوط مع ثورة مضادة ديمقراطية زائفة سوف تكون لها أثار سلبية للغاية على الحياة البشرية. علما أن ما حدث لن يمنع، في المدى البعيد، من إعادة الاعتبار، على الأرض، للثورة السياسية. ولكن، بعد كم من المآسي، وكم من التضحيات !

لقد أخفقت في نظر الغالبية العظمى من الناس التجربتان التاريخيتان الرئيسيتان لبناء مجتمع خال من الطبقات، وهما التجربة الستالينية، وما بعد الستالينية و الماوية، والتجربة الاشتراكية –الديمقراطية. والجماهير تفهم أن هذا الإخفاق هو ذلك الخاص بهدف اجتماعي جذري شامل، الأمر الذي لا يستتبع موازنة سلبية بالتغييرات الهامة في الواقع الاجتماعي، التي حدثت لصالح المتعرضين للاستغلال. ففي هذا المعنى، تبقى موازنة 150 عاما من نشاط الحركة العمالية العالمية، إيجابية للغاية.

تطورات هامة جدا لصالح المنظور الاشتراكي

إننا الآن إزاء تناقض متفجر. إن تطور قوى الإنتاج في السنوات الخمسين الماضية. بما في ذلك الطبقة العاملة، التي هي الآن أكبر بكثير من أي وقت آخر، و أفضل ثقافة بما لا يقاس، حيث ثمة أكثر من ألف مليون مأجور، قسم كبير منهم ذهبوا إلى المدرسة ما بين عشر سنوات وعشرين سنة- يجعل من الإمكانات الموضوعية لقيام الاشتراكية أكبر مما في أي وقت مضى.

لكن قوى الإنتاج الآلية نمت هي أيضا بدورها. وهي أكبر فعالية بكثير مما في السابق، وهذه القوى، مجتمعة، يمكن أن تضطلع بكل الحاجات الأساسية للجنس البشري بصورة أسهل مما في الماضي. إن هذه القوى عالمية، شاملة، ووجوهها الإيجابية، كما السلبية يمكن أن تفهم فقط ، ويجري الإشراف عليها والتحكم بها، على صعيد عالمي وحسب.

ومهام للحل على مستوى العالمي

قبل أقل بقليل من سبعين عاما، بدأ ترو تسكي معركته غير المتكافئة، ولكن بعيدة النظر، ضد نظرية ستالين البلهاء حول الاشتراكية في بلد واحد. واليوم، أنت لست بحاجة لان تكون تروتسكيا لترى أنك عاجز عن تنظيف المحيطات في بلد واحد، أو عن سد ثقب الأزون في بلد واحد، أو حتى عن إزالة الجوع في ...بلد واحد. ولكن ليس هناك اليوم قوة اجتماعية تريد، أو تستطيع، أن تنظم حلا للمشكلات العالمية، على مستوى عالمي. ولا يمكن الطبقة الرأسمالية أن تفعل ذلك، إذ إن رقابة واعية، على نطاق العالم، تعني التخلص من الجشع وحساب الريح الشخصي. كما أن الطبقة العاملة، بالذات، غير مستعدة على المستوى الذاتي للقيام بذلك.

ولكن...

ولكن التطورات التي تحدث في العالم تتم على خلفية أزمة خطيرة ناتجة من إخفاقات الستالينية وجرائمها، ناهيكم عن إخفاقات البيروقراطية ما بعد الستالينية، والاشتراكية –الديمقراطية، في أعين مئات الملايين من المنتجين. إنها أزمة انعدام الثقة، بعد كل ذلك، بالاشتراكية بالذات. والنتيجة أن الجماهير لا ترى الآن بديلا من الواقع الراهن يوحي بالثقة. إنها تماثل بين الديكتاتورية الستالينية وما بعد الستالينية، من جهة، والشيوعية، والاشتراكية، والماركسية، من جهة أخرى، وتفرض كل ذلك، وهي تخطئ طبعا في حكمها. فستالين قتل مليون من الشيوعيين وقمع الملايين من العمال والفلاحين. وهذه الظاهرة لم تكن نتاج الماركسية، أو الاشتراكية، أو الثورة، بل نتاج ثورة مضادة دموية. ولكن الجماهير تنظر إلى الأمور من منظار آخر، وهذا واقع موضوعي ينزل بثقله على الواقع السياسي والاجتماعي، على المستوى العالمي.

إن أزمة الثقة هذه في الاشتراكية تفسر التناقض الذي يميز اليوم الوضع العالمي. فالجماهير مستمرة في القتال في العديد من البلدان على مستوى أهم بكثير مما في الماضي، والإمبريالية والبرجوازية العالمية عاجزتان عن سحق الحركة العمالية، على غرار ما فعلتا في الثلاثينات وبداية الأربعينات في أوربا واليابان وبلدان أخرى وهاكم بعض الأمثلة :
حين عمدت الحكومة الإيطالية، بدعم من الاشتراكيين – الديمقراطيين، والحزب الشيوعي السابق، إلى اتخاذ سلسلة من التدابير التقشفية، التي ضربت الفئات الأكثر فقرا، نزل إلى الشوارع مئات الألوف من العمال. وفي بريطانيا، تحرك عدد من العمال يزيد عن عدد من تحركوا منهم على مدى 40 عاما. وفي برلين الشرقية، حين حصلت هجمات الفاشيين الجدد على المهاجرين، تظاهر أكثر من 200 ألف شخص، وهو أمر لم نره منذ عام 1932.

وفي البرازيل، أدت تظاهرات جماهيرية إلى إطاحة رئيس الجمهورية الفاسد. الجماهير تقاتل. ولكنها معارك ذات مخرج واحد، على المدى المباشر. إنها مشذرة، مفتتة، ولا تفضي إلى نمو طويل الأمد لصدقية البديل الاشتراكي ، وهذه مشكلتنا إلى أمد طويل قادم.

إن الشغيلة لم يصبحوا مستعدين للنضال من أجل حل شامل معاد للرأسمالية واشتراكي، هذا هو السبب في كوننا دخلنا في فترة طويلة المدى من التأزم والاضطراب العالميين، حيث لا توشك أي من الطبقات الاجتماعية الرئيسية أن تنتزع انتصارا تاريخيا. والمهمة الرئيسية أمامنا هي السعي لإعادة الثقة في الاشتراكية في وعي ملايين الرجال والنساء، وفي مشاعرهم و أحاسيسهم. ولن يمكن ذلك إلا انطلاقا من اهتمامات الجماهير وحاجاتها الأساسية. يجب أن نكون أولئك الذين يساعدون الجماهير، بصورة ملموسة وفعالة، في النضال بنجاح من أجل حاجاتها.

وليس أبسط من تعداد تلك الحاجات، حيث أنها لم تتغير من حيث الجوهر، منذ أقدم العهود إنها التالية : استئصال المرض والجوع، وتأمين الملابس لمن لا يملكونها، و مسكن لائق للجميع، وتعميم وصول الجميع إلى الثقافة مجانا، عن طريق إلغاء الأمية، و ضمان أوسع الحريات الديمقراطية و حقوق الإنسان، وإزالة العنف القمعي بأشكاله كافة.

"ننخرط ثم نرى"

إن الحركة الاشتراكية تواجه التحدي التالي : يجب أن تكون قادرة على أن تشجع من دون تحفظات أو قيود نضالات جماهيرية « عظيمة الاتساع، بهدف بلوغ الغايات الأكثر ملموسة التي تصبو إليها البشرية اليوم.

هل هذا النموذج البديل قابل للتحقيق سياسيا في العالم والمجتمع الحاليين، من دون هدف ملموس متمثل في أخذ السلطات الملموسة، أو المشاركة فيها ، يكون قابلا للبلوغ ، على المدى القصير أو المتوسط؟ في رأيي أن هذا السؤال، مصاغا بهذه الطريقة، يقودنا إلى فخ.

بالطبع، لا ينبغي إضفاء الطابع النسبي على مشكلة السلطة السياسية. ولكن لا الشكل الملموس للنضال من أجل السلطة ، ولا الأشكال الملموسة لسلطة الدولة، يجب أن تقرر سلفا، وبوجه خاص، لا يجب إخضاع صياغة أهداف ملموسة، وأشكال ملموسة للنضال تتيح بلوغ تلك الأهداف، لاعتبار من النوع الواقعي الزائف لما قد يكون قابلا للتحقيق أو غير قابل للتحقيق، في المدى القصير، في الميدان السياسي.

على العكس، يجب تحديد الأهداف وأشكال النضال، من دون آراء مسبقة سياسية سواء كانت يساروية أو انتهازية. يجب تطبيق الصيغة التي قدمها المخطط التكتيكي الكبير نابليون بونبارت، وكررها لينين بعده مرارا : »ننخرط (في المعركة)، ثم نرى".

بهذه الطريقة بالضبط، خاضت الحركة العمالية حملاتها، في الفترة التي كانت تتوحد فيها بصورة مدهشة على الصعيد الكوني العام، محددة لنضالاتها هدفين مركزيين، قبل قرن من الزمن يوم العمل من ثماني ساعات، والاقتراع العام المتساوي و الشامل.

الاشتراكية ...ولكن بشروط

إن في وسع الاشتراكية أن تعود إلى الواجهة من جديد، وتكسب الصدقية والثقة، إذا كانت مستعدة للتماثل بالكامل مع النضال ضد الأخطار والكوارث المعددة أعلاه. وثمة شروط ثلاثة لتحقيق ذلك.

أولا : يجب عدم إخضاع الدعم الذي يقدمه الاشتراكيون للنضالات الجماهيرية الاجتماعية، بأي ذريعة من الذرائع، لأي مشروع سياسي. علينا أن تكون بجانب الجماهير في كل معاركها، من دون قيد أو شرط.

ثانيا : ثمة حاجة للدعاوة و تربية الجماهير بخصوص الهدف الكلي، أو النموذج الاشتراكي، الذي يدمج التجارب الرئيسية و أشكال الوعي الجديد للعقود الأخيرة. علينا أن ندافع عن مثال للإشتراكية محرر بالكامل في كل ميادين الحياة.

هذه الاشتراكية يجب أن تكون قائمة على التسيير الذاتي، والدفاع عن حقوق المرأة وضمانها، وحماية البيئة، وتعميم السلام، وضمان التعددية، يجب أن تنشر الديمقراطية المباشرة بصورة نوعية، وأن تكون أممية وقائمة على التعددية الحزبية، كما يجب أن تكون محررة للمنتجين المباشرين. ولا يمكن بلوغ ذلك إلا مع الزوال للعمل المأجور وقسمة العمل الاجتماعية بين من ينتجون ومن يديرون ومن يراكمون.

يجب أن تكون للمنتجين السلطة الفعلية لتقرير كيف يتم الإنتاج، وماذا يجب إنتاجه، وكيف يستخدم الناتج الاجتماعي، ويجب أن تمارس هذه السلطة بصورة ديمقراطية بالكامل، أي أنها يجب أن تعبر عن قناعات الجماهير الفعلية. ولأجل ذلك تلزم التعددية الحزبية، وتمكين الجماهير من الاختيار بين تنويعات شتى من الأهداف المركزية الخاصة بالخطة الاقتصادية وليس هذا ممكنا من دون الخفض الجذري لساعات العمل في اليوم ، ولأسبوع العمل.

ثمة إجماع تقريبا على الوزن المتعاظم لفساد والجريمة في المجتمع البورجوازي ، والمجتمعات ما بعد الرأسمالية التي تتفكك اليوم. ولكن يجب أن نفهم هذا مرتبط بنيويا بوزن المال في المجتمع. و إنه لطوباوي وغير واقعي أن نأمل إضفاء الأخلاق على المجتمع المدني وعلى الدولة، من دون الحد الجذري من وزن المال، واقتصاد السوق.

انه ليستحيل الدفاع عن رؤية منسجمة للاشتراكية ، من دون التصدي المنهجي للأنانية والسعي وراء الأرياح الفردية، نظرا للعواقب التي يرتبانها على المجتمع ككل. يجب إعطاء الأولوية للتضامن وإعادة التربية. وهذا يفترض حدا حاسما من وزن المال في المجتمع.

ثالثا و أخيرا : على الاشتراكيين أن يرفضوا كل ممارسة للاستبدال الأبوي أو العمودي. علينا التشديد على إسهام كار ماركس الأساسي في السياسية ، المتلخص بقوله، إن تحرر الشغيلة سيكون على يد الشغيلة بالذات. لا يمكن أن يكون فعل الدول، أو الحكومات، أو الأحزاب، أو قادة تفترض فيهم العصمة عن الخطأ، أو خبراء من أي نوع. إن كل هذه الأجهزة مفيدة، لا بل لا غنى عنها في طريق التحرر، ولكنها لا تستطيع أن تفعل أكثر من مساعدة الجماهير على التحرر، لا الحلول محلها في هذه العملية.

يجب أن تكون ممارسة الاشتراكيين متفقة تماما مع مبادئهم، يجب أن لا نبرر أي ممارسة قائمة على الاستلاب والاضطهاد علينا أن نحقق ما كان يسميه ماركس الأمر الأخلاقي الملزم بالنضال لسحق كل الشروط التي يتعرض الناس بموجبها للاستلاب والإذلال. فإذا توافقت ممارستنا مع هذا الأمر، تستعيد الاشتراكية قوة هائلة وشرعية أخلاقية تجعلانها عصية على القهر. إذا نجحنا في ذلك، نكسب سلطة معنوية أقوى من كل جيوش العالم.

إن الأطفال يموتون بالملايين. نريد عالما يمكن أن تعلوا البسمة فيه وجوه جميع الأطفال.